الاثنين، 14 مارس 2016

البحث في الحيثيات قبل الحديث عن الإعفاء

البحث في الحيثيات قبل الحديث عن الإعفاء


          "حديثا بعيدا عن كل مقومات الإحترافية أو التحليل الموضوعي والمنهجي ؛ وإسناد الواقعة وتوابعها إلي الدين أو إلي الأخوان أو الذهاب أن الهدف هو تفتيت كتلة الثلاثين من يونيو ضيق أفق لدي البعض ومكر وخبث لدي البعض الأخر مع خلط غير مقبول للأوراق ؛ ولكي نبعد عن كل هذا الهراء وقبل أن نطرح برأينا في إعفاء السيد المستشار أحمد الزند من منصبه علينا أن نتناول الحيثيات بهدوء وعقلانية تنحي عواطفنا الشخصية وإنتمائتنا السياسية جانبا".

وزير الثقافة وواقعة موظفة متحف محمد محمود
علينا أن ندرك بصفة عامة أن الوزير هو شخص سياسي كلماته وعباراته يجب أن تكون محسوبة بدقة ومنضبطة لأنها بشكل أو أخر تعطي صورة عن سياسة الدولة وتوجهاتها ؛ وغالبا ما نقول أن لا حرية شخصية للسياسي لأنه في بؤرة الضوء ؛ وبالتالي فإن أفعاله وإنفعالاته تعطي للصديق والعدو علي حد سواء إنطباعات عن هذه الشخصية ؛ وهذه الإنطباعات قد تستغل في غير صالح الدولة ؛ بل إن عددا من  أهم المهارات الشخصية التي يجب أن يمتلكها السياسي مثل مهارات التواصل والتفاوض والثبات الإنفعالي و العمل تحت ضغط والعرض والتقديم وإدارة الأزمات وحل المشكلات وإتخاذ القرار ؛ وهي مهارات إدارية أولية وأساسية يفتقدها كثير من وزرائنا خاصة في الأونة الأخيرة.

أري أول ما أري أنه لابد من البحث ليس في الوقائع ذاتها بقدر ما يجب البحث في توابعها لنتبين هل القرارات التي أتخذت حيالها صحيحة أم جانبها الصواب قبل إصدار الأحكام المسبقة.

وزير العدل أرتكب أكثر من خطأ يتعلق بالمهارات الشخصية البسيطة والتي تدل علي أن إختياره لم يكن موفقا ؛ فمن أحاديثه وتصريحاته الإعلامية المتعددة تستطيع أن تتيقن أن الرجل لم يفطن إلي أنه إنتقل من السلطة القضائية إلي السلطة التنفيذية عقب تعيينه وزيرا ولكل سماتها وإستقلاليتها ؛ وهذا الإلتباس لديه أعطي إنطباعا سيئا وإيحاءا بتغول السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية ؛ بل وساهم كثيرا في تدعيم ترويج دعاوي الإخوان في الخارج بأن القضاء المصري غير مستقل ؛ وكان عليه الإنتباه لهذا الأمر وتجنبه لأن ما تبنيه الدولة من جسور الثقة مع دول العالم قد يهدمه تصريح أو حديث غير مسئول.


من أسس الإدارة الناجحة تهيئة بيئة عمل صالحة أهم مقوماتها عدم التورط في صراعات تهدر الوقت وتشتت الذهن وتستنزف المجهود ؛ وأن العمل دون ضجيج ودون الإلتفات إلي الصغائر يجعل الشخص أكثر إنجازا كما وجودة ؛ بل ويمكنه من الرد علي معارضيه بشكل عملي ؛ وأكثر من ذلك أنه يمكنه من إحتواء الجميع وإكتساب إحترامهم والنظر إليه بعين التقدير ؛ ولكن الوزير لم يسلك هذا النهج وتسببت تصريحاته الإعلامية المتعددة في كثير من اللغط والإحراج للدولة ؛ بل وإنجرفت به في مستنقع الشد والجذب والتوضيح وعلامات الإستفهام عما كان يقصد أو لا يقصد ؛ وهذا ليس بالشئ الجيد لصاحبه و خاصة إن كان مسئولا سياسيا ؛ والنهاية أي قائد لفريق عمل أو مدير يريد من أعضاء فريقه أداء ادوارهم وتحقيق أهدافهم لا أن يتورط معهم في هذه الصغائر والتفاهات لأنه كما قلنا مضيعة للوقت ومهدرة للجهد ومقللة للقيمة.

تصريح غير منضبط أطاح بوزير العدل السابق 

الثبات الإنفعالي أحد عوامل النجاح في إدارة العمل ؛ ذلك أنك قد تخسر حقك في معركة لم تستطع السيطرة فيها علي ردود أفعالك ؛ وفي السياسة أنت قد تضيع حق دولة وشعب لأنك سلكت مسلكا غير إحترافيا ؛ وربما كان رد فعل خصمك مشينا بقدر يقلل من هيبتك وقيمتك ؛ وفي السياسة الأمر جد خطير فأنت تقلل قيمة وهيبة الدولة ؛ لذا يجب أن تكون الكلمات والأفعال بميزان الحكمة وبأكبر قدر من الإنضباط  ولاشئ أسمه زلة لسان أو أنه قد تم إستفزازي فهذا حديث العامة لا حديث أهل الإدارة والسياسة فالأنفعال قد يودي بالبلاد إلي الحروب والدمار ؛ وأذكر هنا ان أحد رؤوساء الولايات المتحدة وقف يوما امام ميكرفون الإذاعة دون أن يدري أنه مفتوح وردد مازحا أنه أمر بتوجيه صواريخ ذات رؤوس نووية إلي الإتحاد السوفيتي ؛ ورغم إعتذاره إلا أنه كان أمرا كارثيا في التحليلات والنوايا لدي الإدارة الأمريكية علي مستوي العالم ؛ فمزاح وزلة لسان كادت تنهي الحياة لهذا العالم.

السيد المستشار أحمد الزند إرتكب أخطاءا فيما يتعلق بإدارة الأزمة وإتخاذ القرار الصائب ؛ وذلك أنه لم يدرك أن منصبه كوزير هو تكليف وليس إنتخابا يستند إلي مرجعية شعبية أو فئوية كما في رئاسته السابقة لنادي القضاة ؛ وكان عليه أن يرفع الحرج عن نفسه قبل الحكومة فالإعتذار وحده يحمل مضمونا هو الحفاظ علي المنصب ؛ وكان لابد أن يتبع الإعتذار أن يضع إستقالته رهن رئيس الوزراء ليكتسب الإعتذار شكلا إحترافيا ويصير منزها عن أي مأرب شخصي ؛ بل أن إصرار السيد المستشار عن عدم الإستقالة أجبر الحكومة علي إصدار قرار الإعفاء والتي ربما أستشعرت إستقواءا علي الدولة من جانب الزند مستندا إلي ما عرضته من عدم إدراكه أن منصب الوزير هو تكليف وليس إنتخابا يستند إلي قاعدة شعبية أو فئوية.

هذا هو تحليلي المتواضع لواقعة المستشار أحمد الزند ؛ أما ردود أفعالنا نحن فكانت أيضا غير جيدة لأنه يجب أن نرتكز علي ثوابت عديدة أنها أن العمل الوطني والإنحياز للأمة ليس صك غفران لآثام أخري ؛ بمعني أخر ليس معني تصدي المستشار الزند للإخوان ومعركته للحفاظ علي إستقلال القضاء أن تكون صك غفران لأخطائه وهو مسئول بالدولة ؛ ولا يجب أن يكون الإشتراك في ثورة يونيو منا علي الدولة كما فعل أشرف زكي في معرض حديثه عن ميريهان حسين ؛ أو كما فعل توفيق عكاشة بعد إسقاط عضويته بالبرلمان فهذا خلط غير مقبول للأوراق ؛ فكل الشعب أشترك في ثورة يونيو وليس معني ذلك أن نغفر للمخطئ منهم أخطائه ؛ مع الأخذ في الإعتبار أن في المناصب السياسية غالبا ما يكون الخطأ الأول هو الخطأ الأخير.

أيضا الحديث الماكر الذي يروج له البعض من الخوف علي تفتت كتلة يونيو حديث خبيث مغلوط ؛ فما يحدث من محاسبة المخطئ هو حفاظ علي قيمة ثورة يونيو ؛ وإعلانا أن عهدا جديدا قد بدأ ؛ أما عن ترويج أن مواقع التواصل الإجتماعي هي من تدير الدولة فهذا حديثا غير دقيق ؛ فالواقع يقول أنها أحد مصادر إستطلاع الرأي والإطلاع علي الأفكار لتكون واحدة من القواعد المعلوماتية التي يبني عليها في إتخاذ القرار.

بقي ان نقول أنه لا يجب أن نعول علي الأخوان كل أمر ؛ وزير العدل لم يكن جديرا بالمنصب وإستمراره كان سيكون معول الإخوان لمهاجمة الدولة المصرية مستغلين في ذلك تجاوزاته المتكررة ؛ وما حدث هو أفضل للدولة وللمستشار أحمد الزند كي يحتفظ بحب وإحترام الشعب وحتي لا يؤثر ذلك علي تاريخه المضئ كقاضي جليل ورئيس لنادي القضاة في فترة مميزة في التاريخ المصري.

مهزلة التعامل  غير الإحترافي مع طالبة صفر الثانوية العامة


كلمة أخيرة إلي الدولة المصرية (أعدوا وزرائكم علي نحو جيد ؛ وتيقنوا من مهاراتهم الشخصية وأعيدوا تأهيلهم للمناصب القيادية وكفاكم إختيارات روتينية فالبريق يخدع كثيرا). 

#حافظوا_علي_مصر

ليست هناك تعليقات: