الجمعة، 15 مايو 2015

وطن لم يجد شعبا يحنو عليه (خواطر حول حديث الرئيس)

وطن لم يجد شعبا يحنو عليه
خواطر حول حديث الرئيس

         (شعب لم يجد من يحنو عليه) عبارة المجلس العسكري في 30 من يونيو 2013 .. تلك العبارة الساحرة التي أثرت الملايين في مصر وخارجها ؛ وكانت مصدرالإلهام ومبعثا لإرادة التغيير؛ وإيذانا بنهاية أخطر تنظيم إرهابي دولي وهو الإخوان المسلمين ؛ ورفعا لكل أوراق اللعبة علي الطاولة السياسية ليعرف الوطن العربي شعوبا وحكومات المتـامرين والمرتزقة والأنظمة المحرضة والراعية للإرهاب ؛ ومع حديث السيد الرئيس قبل أيام عن الفساد الإداري كان يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ؛ فلم نكن نحن علي قدر المسئولية ؛ ولم نكن علي مستوي الأمانة التي عهدت إلينا ؛ وبتنا الشرخ الموجع في ماضي وحاضرهذا الوطن ولو كنا بصدد إصدار بيان أخر في 30 من يونيو 2015 لكانت العبارة الأصدق (وطن لم يجد شعبا يحنو عليه)‟.

كعادته كان الرئيس السيسي أمينا مع شعبه وهويتحدث عن الفساد الإداري في الدولة ؛ وكان حانيا رحيما عندما قال أن تغييرا في قطاع يبلغ العاملون به ست ملايين ونصف عامل قد يؤثر علي حياة أسرهم ؛ وكان حازما أنه وأجهزة الدولة الرقابية تتبع كل فاسد وتقتص منه حق الدولة وأنه لا مجال لفساد في دولة رشيدة يطمح إلي تأسيسها ويعيش فيها كل مواطن حياة كريمة.

بينما يتخاذل قطاع عريض من الشعب عن دوره في تأسيس الدولة الرشيدة ؛ ويعيش معركة التواكل علي الرئيس والجيش ؛ ويقتصر دوره في التنطع علي المقاهي أو الطرقات أوربما علي كثير من الفضائيات ولا فارق بين الثلاثة ليصب لعناته علي فساد الدولة ويلقي بالتبعة علي رئيس الدولة وربما علي الرؤوساء السابقين ؛ علينا ألا ننسي أو نتناسي أن الفساد الإداري هو جزء من فساد شعب فالعاملون الفاسدون بالقطاع الإداري جزء لا يتجزأ من الشعب  ؛ وإذا كنا جادين حقا في محاربة الفساد وإقامة دولة علي أسس من العدل والحق والخير علينا أن نعمل علي تأصيل مفهموم الفساد ليدرك كل منا دوره ومسئوليته قبل أن يلقي بالتبعة علي الأخرين ونعيش وهم أننا الضحايا وأننا المقهورون فالفساد فساد الشعوب.


الفساد ليس مقتصرا علي الرشوة والعمولات التي تتقابل فيهما رغبة من لا يستحق مع رغبة من لا يملك فيتمخض ظلما وهضما لحقوق الآخرين وإهدارا لحق الدولة ؛ وهذا هو أدني الفساد خطرا ذلك لإيماننا المطلق بقدرة الدولة علي الحد منه والوصول به إلي المعدلات العالمية ؛ وربما يأتي يوم نكون فيه الدولة الأقل فسادا في العالم ؛ بيد أن الفساد الأخطر هو ذلك الفساد الضارب جذوره في كل ربوع الدولة هو فساد الأداء المتردي لكل مواطن في موقع عمله ؛ فساد أجبر الدولة يوما علي الإتجاه نحو الخصخصة للقطاع العام ؛ ذلك القطاع الذي نتباكي عليه الآن ونتشدق في كل لحظة بما شاب بيعه من فساد ؛ والحقيقة أننا من تأمرنا علي أنفسنا وفرطنا في واحدة من مكتسبات ثورة 23 من يوليو 1952 ؛  فالعامل والموظف كلا ذهب إلي مصنعه وقد منحته الثورة قوانينا تحميه وأصبح بموجبها شريكا في الإدارة والرقابة فلم يقدر ذلك كله فبات هذا ينام بجوار ماكينته المعطلة ربما عمدا ؛ وذاك أخذ من مكتبه مكان لإستهلاك الوقت بلا عائد وكل غير مكترث بأهمية ما ينتج وما يقدم وما يدره من دخل قومي طالما أنه يأخذ من الدولة حقوقه كاملة ؛ بل ويمتلك من الوقاحة ما يدفعه نحو طلب صرف الأرباح والحوافز الشهرية في قطاع خاسر تارة بالإضراب والأعتصامات وتارة بأعمال التخريب وإهدار المال العام  في ظل إدارات ضعيفة مستسلمة غير قادرة علي التطوير وحل المشكلات والحزم ؛ إدارات أعتبرت مناصبها العليا سلما نحو مناصب أرفع ووضعا إجتماعيا وماديا أرقي ولديها من مبررات الخسارة ما يؤهلها لمزيد من الترقي ؛ ثم لا يمنعنا الخجل من الحديث عن مؤامرات بيع القطاع العام ونحن المتأمرون الحقيقيون ؛ ونحن من فتحنا الباب للسماسرة والمتربحين.  


علي نفس الوتيرة يأتي الفساد الذي تفشي خلال أحداث 25 من يناير 2011 وما أعقبها ؛ وهو الفساد المتجسد في سلبية المواطن في الدفاع عن مؤسساته الوطنية ؛ فشعب قوامه تسعون مليونا وقف عاجزا أمام بضعة آلاف من المرتزقة والعملاء في الدفاع عن المقرات الشرطية والمحاكم والسجون ومؤسسات الدولة الخدمية التي تعرضت للتخريب والتدمير والسلب والنهب ؛ الفساد هو إستغلال البعض لإنتكاسة وزارة الداخلية فقامت المارقة بسلب المتاجر والمحال وماكينات الصراف الآلي ؛ الفساد الذي خلف لنا ملايين من الوحدات السكنية المخالفة ؛ وآلاف من قضايا الإستيلاء علي أراضي الدولة ؛ والأعتداء علي الرقعة الزراعية ؛ الفساد الذي تمثل في فوضويين قاموا بإستغلال حاجة البسطاء إلي نقص المحروقات فكانت السوق السوداء وعلي شاكلتها كانت سلع الحياة اليومية ؛ حتي في النقل الخاص في ظل مطالب فئوية لموظفي النقل العام بات لدينا فساد إستغلال وتربح من الطرفين ؛ الفساد في مئات الوحدات الصناعية التي طفت علي السطح تبجحا فيما أطلق عليه تهذبا نشاط غير رسمي وهو في حقيقة الأمر (مصانع بير السلم) فقدمت لنا سموم في المأكل والمشرب والسماد وغيرها من متطلبات الحياة اليومية ؛ الفساد في رجل تعليم لم يرع حق الله في طلابه ففقدت المدارس دورها التربوي والتعليمي وفقدت إحترامها وصار الخاص منها يبث سموم فكره ويحرض علي الفتنة وفق منهج خاص ؛ الفساد في عشرات المستشفيات التي يعتبر الدخول من بابها خروجا من باب الحياة بفعل طبيب فاسد والفساد إما إهمالا أو عمدا للإنتقام وفق منهج سياسي أو ديني ؛ وكما كان لدينا قديما أغنياء حرب أصبح اليوم لدينا أغنياء فوضي.


علينا أن ندرك جميع أن مواطنا يقود سيارته عكس الإتجاه أو يقف في أماكن غير مصرح بالوقوف فيها هو مواطن فاسد ؛ وكل بائع ينزل إلي حرم الطريق ببضاعته هو مواطن فاسد ؛ وأن صاحب المقهي الذي يفترش الرصيف سواء مع مواطن يبني مسجدا فيدخل الرصيف في حرم مسجده كلاهما فاسد ؛ وأن خطيبا يعتلي المنبر ويحدثنا بالقرآن والسنة في غير مواضعها فهو فاسد ؛ وأن كل من يتاجر بالألعاب النارية أو يستخدمها هو فاسد وإن كان لإشاعة الفرحة فكل من يهدد أمن المواطن المسالم هو فاسد ؛ وكل من يسرق التيار الكهربي من أصحاب الأكشاك فهو فاسد ؛ وان كل من يهدر مياها أو يلوثها بفعل ماشيته أو مخلفات صناعته هو فاسد ؛ وكل من يتداول شائعة تهدد أمن الدولة هو فاسد ؛  وأن كل رجل أعمال يدرج علي غير الحقيقة أرباحه تهربا من الضرائب هو فاسد ؛ وأن كل رب عمل يدرج عماله علي غير رواتبهم الحقيقة حتي لا يدفع للدولة مستحقاتهم التأمينية هو فاسد ؛ وكل إعلامي يحرض علي الدولة تحت دعوي حرية النقد أو حق المعارضة هو فاسد ؛ وكل فنان يقدم من خلال أعماله الفنية أوحياته الشخصية ما يتعارض مع الدين والقيم ومبادئ الوطنية هو فاسد ؛ وكل رقابي يتستر علي كل هؤلاء جميعا خوفا أو طمعا هو فاسد. 

والحقيقة أن كل نماذج الفساد موجودة في الشارع المصري ؛ وليس فقط في الجهاز الإداري للدولة ؛ وفي شعب تعداده تسعون مليونا لو فرضنا أن لدينا مليوني فاسد فهذا كفيل أن يعوق مسيرة دولة تعرضت لنكبة كبري علي مدار أربع سنوات ترتب عليها الكثير من الفساد في كل مناح الحياة ؛ والإصلاح لا يأتي فقط من الدولة بل لابد أن ينظر كل منا داخل نفسه ويقومها ويقدم للأخرين النموذج والقدوة الصالحة في مسار متواز مع ما يجب أن تقوم به الحكومة رقابيا وقانونيا لملاحقة الفاسدين ومعاقبتهم علي نحو سريع لإعادة الإنضباط ؛ ومع حسن أنتقائها للمسئولين وتخليها علي كل مسئول ليس علي قدر المرحلة  دون توان فلسنا في رفاهية التجربة ؛ بل نحن في معركة شرسة من أجل البناء  ؛ معركة تحتاج إلي كتيبة مقاتلين.



رغم حجم الإنجازات الضخمة التي قدمها السيد الرئيس علي مدار عام مجيد من حكمه داخليا وخارجيا إلا أنه بدا في حديثه مهموما بشعبه رغم الثقة العريضة في النجاح ؛ ورغم إيمانه الصلب بسمو توجهاته ونبل أهدافه ؛ وعلي الشعب أن يساند الرئيس في رحلة بناء الوطن بالمثابرة والجهد والعمل المخلص وتضييق هوة الفساد وليبدأ كل منا بنفسه يقومها ويهذبها ؛ ويكون فعله علي قدر ما يحب أن يجد عليه وطنه ؛ أن مساندة الرئيس ليس لها إلا معني واحد وهو الإنتصار للوطن ؛ والحق أقول أنه وطن لم يجد شعبا يحنو عليه.